الكتابة

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
06/12/2014 06:00 AM
GMT



كتبتُ القصة بعد سنوات من اعتراف الآخرين بي كقاص !   

كان الاصدقاء يقدمونني : القاص محمود كامل عارف . لم اكن استخدم لقب البياتي آنذاك , ولم اكن كتبت قصة واحدة . كنت اتحدث فقط بحماس عن طموحي لكتابة قصة , وعن اعجابي المفرط بارنست همنغواي .                            
ذات يوم , قال اخي محمد : يبدو ان الجميع يعاملونك كقاص . هيا , حان لك ان تصبح  كذلك !                             
بعد نحو خمس سنين \1965\ . كتبت قصة في براغ اطْلعتُ عليها صادق الصائغ . اتذكر بوضوح لهفتي الى سماع رأيه . راقبته خلسة وهو مستغرق في قراءتها على سرير في بيت الطلبة \ فيترنيك . حين انتهى فرك جبينه, وقال بدهشة :     
- لطيفة جدا . جدا .                                                          
وسرعان ما اخبر مفيد الجزائري الذي جاء الى مقهى سلافيا مع جيان للأطلاع عليها . افرحني فرحهم بقصتي الاولى التي نشرها فاضل العزاوي فيما بعد في (الف باء) على صفحتين مشفوعة بتخطيط للفنان صلاح جياد .
 
قراءات

امي ( ناجية بنت الشيخ شكر الله) اول امرأة تحترف  التصوير الفوتغرافي في العراق . ساعدت ابي وعمي عبد الرحمن بتصوير النساء المحجبات في اول ستديو يجري افتتاحه بعد الحرب العالمية : (المصور الاهلي) . منعها الحمل المبكر من مواصلة الدراسة , فتابعت بمفردها تعلم العربية والفارسية والتركية والكردية . قرأتْ جل قصص المكتبة في اثناء طبخ الطعام الذي طالما نسته واحترق . كنت  استلقي على ساقيها القصيرتين  فتؤرجحهما كالمهد الى اليمين واليسار فيما هي تحكي بلهجة مبسطة ما قرأته او حفظته في الطفولة .
اول كتاب قرأْتهُ أنا ( ملكة الباسطوني )  لبوشكين . اعترفتُ الى اخي محمد , الذي اختاره لي , انني لا افهم أيَ شئ منه , فأجاب :
- لا بأس . استمر في القراءة وستألف الكلمات  وتفهم المعاني بالتدريج .
اندفعت للقراءة في اعقاب  ثورة 14 تموز 1958 بتشجيع من الحزب الشيوعي الذي نلت عضويته وعمري 16 سنة \ خلافا للنظام الداخلي . كنت مولعا , كسائر اقراني , بالنقاشات السياسية والثقافية مع اقرب اصدقاء ذاك الوقت:سهيل سامي نادر , خالد بابان , رياض قاسم , عمران القيسي , وعبد الكريم  كاصد الذي كان  يتردد  علينا من البصـرة مع فيصل السعد .
قرأت الكتب الماركسية بادئ الامر. وحينما  تعرفت , مطلع الستينات , على منعم حسن , قحطان الخياط , وحميد ياسين , تحولتُ , بتأثير منهم , الى قراءة كتب متنوعة في مقدمتها الوجودية , التي زعزعت اسس تربيتي  : خضوع الفرد للجماعة او للحشد او للجمهور .
من ابرز الكتاب والعلماء والفلاسفة - غير الماركسين- الذين قرأت اليهم في تلك الحقبة : دوستيوفسكي , تشيخوف , جان كوكتو ,غوغول , ول ديورانت,  كولن ولسن , سارتر , كامو , هيدغر , نيتشه , كاركيغارد , فرويد , يونغ... اضافة الى ابن عربي , الحلاج , نجيب محفوظ , يوسف ادريس , فؤاد التكرلي , عبد الملك نوري , ذنون ايوب ...
ومن الشعراء : رامبو , بودلير , لوركا , ناظم حكمت , ايلوار, الجواهري , ادونيس , نزار قباني , عبد الوهاب البياتي , بلند الحيدري ,  مظفر النواب , نازك الملائكة , سعدي يوسف , رشدي العامل , واستاذي في متوسطة الاعظمية بدر شاكر السياب.
كان ابي يراني اقرأ وادخن في الفراش حتى الفجر , فيوبخني برفق :
- ولدي , اطفئ الضوء ونمْ . هذه الكتب لا تطعمك خبزا .
كان على حق . وكذلك كان يسوع عندما قال : ليس بالخبز وحده يحيا الانسان .
 
براغ \ برلين \ بغداد
اعتقلت شهرا , وحكم علي بالسجن مع وقف التنفيذ سنة ونصف , لمشاركتي بتظاهرة احتجاج على رفع اسعار البنزين , نظمها الحزب الشيوعي \1961 . وفي معتقل (خلف السدة) سمعت من راديو ترانزيستور نبأ قيام  يوري غاغارين برحلته  الفضائية التي هزت العالم .
في فترة اختفائي , بعد انقلاب 1963 , سنحت  فرصة  نادرة للقراءة والأصغاء الى الموسيقى الكلاسيكية  . وما ان تهيأ  جواز سفر , دفنت الكتب الممنوعة التي اعتز بها في حديقة بيتنا الخلفية , وذهبت بالباص الى دمشق ,  وبالتكسي الى لبنان الذي قضيت فيه نحو سنة قبل التوجه الى تشيكوسلوفاكيا . وبسبب الانقطاع عن الدراسة اضطررت على الأنتقال من براغ الى برلين الغربية . لم تصلني معونات الاهل نتيجة خطأ في عنوان المصرف , فنمت فوق المساطب العامة , واكلتُ من القمامة , وحُكم عليّ , في برلين الشرقية , بالسجن ثلاثة اشهر , لمكوثي  اسبوعا  بصورة غير شـرعية.
بعد اطلاق سراحي رجعت الى براغ لمقابلة ابي وامي ومرافقتهما الى استانبول التي لم تسمح لي سلطاتها بالبقــــــاء ســوى ثلاثة ايام  ( لأنني  قادم  من  بلد شيوعي!)  فتابعت مرافقتهما الى بغداد , على رجاء العودة الى  انقره للعمل في مصانع ضخمة يملكها اولاد عمتي ... لكنني عملت في صحيفة (المنار) لصاحبها  عبد العزيز بركات , الذي اصيب بالجنون في معتقل قصر النهاية ومات . كان سكرتير تحريرها الصحفي اللامع عبد الله خياط . اهتم بي كثيرا ولقنني اخلاق المهنة . اعدمه البعثيون  في 197. , بتهمة العمالة الى CIA . وعلمت لاحقا انه اكد لزوجته نسرين , قبل دقائق من اعدامه , وبحضـور الضـباط والحـرس , انه برئ , قال :
- لم يفلحـوا في ارغامي تحت التعـذيب على توقيــع اقرار بأنني جاســوس . في حوزتي معلومات عن اتصالاتهم بســفارات الغــرب , جمعتها اثناء اشـتغالي  كلمحق صــحفي في بيـروت  , بعـد ثـورة  1958 ... ولذلك سيـــعدمونني .


اعدامات اخرى
اسهمتُ في تأسيس مجلة الف باء مع فريق انتقى افراده خبير اعلام مصري يدعى علي منير , ثم نُسبت الى الاذاعة والتلفزيون وعملت في مطبوعات عديدة , بينها ( المواطن ) و( النور ) . من الذين عملت معهم : المرحوم حميد رشيد , سلوى زكو , حسن العلوي , نصير النهر , سلام خياط , فاضل العزاوي , محسن الموسوي , فائق بطي , سالمة صالح , بسام فرج , فيصل لعيبي , يوسف الصائغ , زهير الدجيلي , حلمي شريف , جاسم الزبيدي , دارا توفيق , وآخرين لا تخطر في بالي اسماؤهم مع الاسف.
تزوجت سنة 197., رزقت بعد سنة ابنتي فرح, وزيد في 1973 .
آخرُ وظيفة توليتها قبل ترك العراق للمرة الثانية \ 1974\  هي رئيس قسم التحقيقات الصحفية في مجلة (وعي العمال) التي اعدم رئيس تحريرها - وزير الصناعة - محمد عايش مع عبدالخالق السامرائي , وتوارى المشرف عليها عزيز السيد جاسم. عملت مساءً في (التآخي) التي واصلنا اصدارها في آذار 1973, لوحدنا فقط  : كاميران قره داغي وانا . كان كادرها كله صعد الى كردستان ملتحقا بالثورة التي اجهضها اتفاق الجزائر .
في آيار\مايو1974 اعدمت الحكومة خمسة من رفاقي , ينتمون الى تنظيم صغير انشئ - الى جانب تنظيمات عديدة - ردا على فشل انتفاضة ألاهوار , بقيادة خالد احمد زكي , واستسلام حركة عزيز الحاج .
ربما انا مدين في بقائي على قيد الحياة , الى نصيحة اسداها لي, في مرحلة حرجة , نوري عبد الرزاق . ولظروف يتعذر علي الافصاح عنها الان , اجتمعتُ مساء 1 آيار 74  مع الدكتور صباح الدرة , فنصحني بالاختفاء  ريثما  ينجلي الموقف . كذلك نصحني عبدالرزاق الصافي , لكنني آثرت ترك بغداد الى دمشق , ومنها الى لبنان . كانت الحرب الاهلية على وشك الانفجار . فلم ابق اكثر من اسبوع . سافرت بالاوتومتريس الى حلب وبالقطار الى انقرة حيث حاولت عبثا الحصول على فيزة تشيكية , فاستأنفت السفر الى استانبول \ بلغراد \ بودابست \ ثم جواً - وبدون فيزة - الى براغ . كان ينتظرني عند سلم الطائرة الصديق عادل حبه الذي سوّى موضوع الفيزة  ورعاني بمودة طول فترة تمثيله للحزب الشيوعي العراقي في مجلة السلم والاشتراكية .

ناتالي ساروت
شخّص الناقد ياسين النصير في مجلة (المدى) وصحيفة (السفير) تحفيز ساروت  لي على كتابة  القصص الاولى . استهواني شكل قصصها لتوافقه مع مزاجي الجانح الى الاقتضاب والتركيز والتقشف في الكلام . كتبت  قصة قصيرة جدا عنوانها (الهارب)  مستوحاة من عملية محاكمتي  في برلين الشرقية . كنت في العشرين من عمري , هاربا من بطش البعث الذي قتل ابن عمي وصفي طاهر وكاد يقتلني , ثم فوجئت بمثولي  امام محكمة شيوعية تحبسني 3 اشهر لمجرد انني اصبت بالرشح وبقيت عند صديقتي الالمانية \اولغا\ اسبوعا بدون فيزة . شعرت  عندئذ ان القضاة يحاكمونني , بهذه الجدية والصرامة , بدلا من شاب آخر ورطني , قال : لطفا كن انا ,  سأرجع حالا . ولم يرجع ... حتى الان !
أصدرت مجموعتي القصصية (اختراق حاجز الصوت) عن دار المستقبل العربي \ القاهرة \1984 , وهي مهداة الى محمد عارف  وصادق الصائغ امتنانا على دورهما المميز في تكويني كقاص .  أصدرت عن دار الكنوز الادبية\ بيروت 1994 ( جغرافية الروح ) , وهي مهداة الى  ظبية وياسمين , صمم غلافها ضياء العزاوي , والتخطيطات بريشة اسماعيل زاير.وسأُصدر مطلع السنة المقبلة رواية ومجموعتين , احداهما مهداة الى اختي منيرة التي ساندتني - مع زوجها سعد - في احلك سنوات المحن  والعوز في الخارج .
 
همنغواي , كافكا , وبيكيت
قرأت  همنغواي  بعناية . قرات بعض قصصه القصيرة اربعين مرة . استعنت بالقواميس لأقرأ بلغة انكليزية لم اكن احسنها : عجوز عند الجسر , المخيم الهندي , مكان نظيف وجيد الاضاءة , حياة ماكمبور القصيرة السعيدة ...
كنت اريد التمعن في جمله الاصلية كي اقف على اسرار تشذيبها من الزوائد . حاولت محاكاة تصرفه مع النص بموضوعية جراح . ابتر  منه ما لا يلزم وإن كان جميلا . 
قرأت لفرانز كافكا (المسخ) , فذكرتني على نحوما بفانتازيا الف ليلة وليلة التي يُمسخ فيها بشر الى قرود او كلاب او قطط .انه يعرض , في مناخ كابوسي خانق , حالة أنسان عصرنا  المطارد , المتهم , المنهك باليأس والهلع والحيرة.
شاء الحظ ان اكتشف , وانا في  نزهة , مبنى ولد فيه .  يقع في القسم العتيق  من براغ \ مالاسترانا \ كما زرت بيت صباه في (الزقاق الذهبي) في قلعة (هراجاني) , وزرت مقبرته . تم هذا دون قصد . كنت انتظر في محطة شليفزكيهو باصا يقلني كالعادة الى بيت الفنان الذي عمّق معارفي كثيرا : محمود صبري . كنت في غاية القلق والحزن جراء تحريض حزب عراقي متنفذ , اجهزة مخابرات تشيكية , على طردي من البلاد مع طفلين وزوجة. اشعلت سيجارة وذهبت القي نظرة على مدخل مقبرة اليهود في الجهة المقابلة . قرات من خلال قضبان ا لأبواب المعدنية لوحة كُتب عليها \ هنا مدفون الدكتور فرانز كافكا \. دخلت غرفة الحارس وسألته :
- هل هذا كافكا هو نفس كافكا الكاتب ؟
- اجل.
- اين يقع قبره  ؟
اشار بيده الى امام :
- 50 مترا .
- استطيع رؤيته ؟
- ينبغي وضع قلنسوة على الرأس .
- لا قلنسوة عندي.
- نحن نعيرك واحدة.
غمرني الاشـمئزاز وانا اعتمـر قلنسـوة سـوداء . مشـيت بيـن سـياج مرتفع  وصـفوف  قبـور تظللها اشـجار عالية . توقفتُ عند قبر كافكا المتواضع والمهمل . تفحصت  احجاره المتآكلة , وقلت :
- إسمع . انا عراقي من بغداد . اتفق معك . الحياة  تافهــة ومرعبة .
وبعد ايام التقطت صورا الى قبره , وسألت الحارس :
- ايزوره احد ؟
- اجل.
- وفود رسمية ؟
- لا . سيدتان من قريباته على الارجح , تحضران من فيينا في الاعياد , تحملان الى قبره الزهور...
لعل احداهن - كما خمنتُ -  ماريان شتاينر التي زعمت ان صديق كافكا \ ماكس برود \ تلاعب في نصوص (المحاكمة) حيث اضاف وشطب عبارات .
كان شبح كافكا يرافقني حيثما تجولت : في دروب مالاسترانا , ستاروناميستي , قلعة هراجاني , هضبة بترشيني , شواطئ فلتافا ,  جسر كارلوف , حانة اوفليكو , فندق اوربا , وفي  المكان الأحب لدي : مقهى سلافيا , المقابلة للمسرح الوطني .
الكاتب الذي اعتبره شقيق كافكا الروحي هو صوموئيل بيكيت . عالج  ذات المشكلة الجوهرية : أغتراب الانسان والوجود الملتبس . بطله مقهور , ضائع , عاجز , ومعزول كسمكة خرساء في حوض ضيق . ارى في (الصمت) غير الاعتباطي , الملازم  لمسرح بيكيت , وظيفة تشبه  وظيفة (الفراغ) في منحوتات جياكوميتي .                                          
 
القصة  والرواية
عاتبني الصديق شريف الربيعي بالتلفون : لماذا لا تكتب رواية ؟
هذا العتاب يعكس  تصورا , لا اتفق معه , يفيد ان القصة انجاز يسير , او كما يشاع , اجازة استجمام للكاتب ما بين روايتين . وهي برأيي فن صعب  ومستقل , كالرواية والقصيدة والمسرحية ومقالة النقد . انها تضطلع بما ليس من اختصاص الرواية ولا ضمن قدراتها. الروائي الجيد ليس حتما كاتب قصة جيد . هناك من يعتقد - مثل ترومان كابوت - ان قصص همنغواي القصيرة اجدر من الطويلة باستثناء (الشيخ والبحر) ولعل من الطريف الاستشهاد  بالروائي الحائز على جائزة نوبل , وليم فولكنر , الذي صرح بما يلي : ربما كل روائي يريد في البداية ان يكتب شعرا , ثم يكتشف انه لا يقدر , فيحاول كتابة القصة القصيرة التي هي الشكل الاكثر تطلبا بعد الشعر , وحين يفشل في ذلك ايضا, يمضي اخيرا الى كتابة الرواية !

اجتياز المسافات
بطل قصصي انا وانت \ العاشق , الفرحان , المشوش , المنتصر , والمهزوم ... يقول اراغون : الادب الصادق والحقيقي , الاوحد , هو ذلك الذي يصدر عن انسان يحكي اسرار تجربته الحياتية الخاصة , بكل حميميتها , بكل محاسنها ومساوئها...
لا اكترث  بوصف المكان . لكن احساسي حاد بالزمن وعدم الثبات والمفارقة . كل تجربة سعيدة اعيشها تستحيل برمشة عين  الى ماض . كأنني بلا حاضر ازاء مستقبل مراوغ . 
لست ضد الأدب الملتزم . الا انني لست  مقتنعا بالحياة . فهي كالموت , سخيفة وخالية من المعنى . او لا يمكن بلوغ معناها البتة . احد الفلاسفة اليونانيين (زينون) عاش في القرن الخامس قبل  الميلاد , صاغ فرضية \ او شطحة  , كالتالي :
( لا يمكن لجسم متحرك في النقطة - أ - بلوغ النقطة - ب - لانه ينبغي ان يقطع نصف المسافة بين النقطتين , وقبل ذلك نصف النصف , وقبلهما نصف النصف , وهلم جرا الى ما لا نهاية ) ... هكذا  انا باستمرار , اراوح في منتصف المسافة الى المعنى , الى الأمل  , الى الهدف الذي يقفز بعيدا كلما كدت ان ابلغه.
الكاتب المُجد هو الذي  يتمثل اهم الافكار ويعيد انتاجها , على نحو فني , وفق رؤيته , وبأسلوبه الخاص.اما منهج الكتابة الذي اتبناه , ولاادري كم سأنجح بتطبيقه , فتوجزه كلمات ادونيس هذه : يبدو لي ان السوريالية كمثل الصوفية تقوم بما لا يقدر العلم ان يقوم به . لاتتعارض معه  بالضرورة وانما تنقذ عجزه وتعوض عنه , كأنها في ذلك , علم آخر مستقل. ثم ان كلا من الصوفية  والسوريالية ليست اكتشافا  لاشياء , لجمال  جديد بقدر ما هي اكتشاف لاسرار جديدة في الانسان والكون . وهما من هذه الناحية , تنتميان الى العلم (1)
للأبداع غايات وبواعث غامضة. المخيلة اداة للتغلغل العقلاني والمتخبط في دهاليز وفوضى المجهولات . والكاتب فارس دائم التعطش الى اروع ما في الصحراء : السراب !
مع ان الصدفة بوصلتي , والعبث  ضابط ايقاع الكائنات كافة , فأنا سأظل احلم بالشيوعية , ولا اتقاعس عن تأدية واجبي لأبتكار نظام عالمي تسوده العدالة والحرية والسعادة .
بعد اقامة متصلة في اوربا , ربع قرن تقريبا , زرت اول بلد عربي \سوريا\ بدعوة من صديقي عبد الحسين شعبان . ومن ضفاف بردى شق حنيني  مجراه الى دجلة والفرات  و " شعب الشاكو ماكو" (2) .
بغداد , مَسقِط راسي . براغ , مسقط حبي . غاثنبورغ , ملاذ  شيخوختي ... وقد تغدو لندن مثواي الاخير. الا ان روحي تشتاق , لا مشاحة , الى هناك , الى نخلة , حتى ولو عجفاء ... نخلتنا لا تنبت في كل مكان.